النوع الثاني: الحسن


تعريفه: ما اتَّصل سنده بنقل العدل الذي خَفَّ ضبطه ولم يكن شاذًّا ولا مُعَلاًّ ويُسَمَّى الحسن لذاته لأنه بلغ درجة الحسن بنفسه من غير حاجة للتقوية بغيره والفرق بينه وبين الصحيح أن راويه أقل في الضبط من راوي الصحيح وقد عَرَّفَهُ الخطَّابي بقوله الحسن ما عُرِفَ مَخْرَجُه واشتهر رجالُه وعليه مدارُ أكثر الحديث وهو الذي يقبله عامة الفقهاء مثاله ما رواه أبو داود والترمذي و وابن ماجة:

[ ‏حَدَّثَنَا ‏‏أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ‏ ‏وَأَبُو أُسَامَةَ ‏‏ قَالَا حَدَّثَنَا ‏ ‏بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِيهِ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏جَدِّهِ ‏‏ قَال ‏ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ قَالَ ‏‏احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ قَالَ فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا تُرِيَهَا أَحَدًا فَلَا تُرِيَنَّهَا قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنْ كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا قَالَ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ ‏‏يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنْ النَّاسِ ] ما رواه أبو داود 4019 والترمذي 2996 و 3024 وابن ماجة 1910.
فهذا الحديث أسانيده متصلة ولا شذوذ فيه ولا علة قادحة ورواته عدول ثقات إلا أن بَهْزَ بن حكيم خَفَّ ضبطه فصار حديثه حسنا لذاته بل هو في أعلى درجات الحسن ولهذا عدل البخاري عن روايته متصلا وذكره تعليقا في كتاب الغسل باب 20 .

مسائل


المسألة الأولى:

الحديث الحسن لذاته إذا روى من طريق آخر مثله أو أقوى منه سمى صحيحا لغيره لأن الصحة لم تأت من ذات السند وإنما من انضمام غيره له.

مثاله : ما رواه أبو داود: [ حَدَّثَنَا ‏ ‏عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏وَكِيعٌ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏سُفْيَانَ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏ابْنِ عَقِيلٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عَلِيٍّ ‏ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ ‏ ‏وَتَحْرِيمُهَا ‏ ‏التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ ] أبو داود 56.‏

وعبد الله بن محمد بن عَقِيل صدوق وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه ولذلك فحديثه إذا لم يتابع حسن لذاته لأنه خَفَّ ضبطه عن الثقات والحديث له شواهد يَرْقَى بها إلى درجة الصحة مِنْ حديث أبى سعيد الخدري عند الترمذي وابن عباس عند الطبراني في المعجم الكبير. فعند ابن ماجة على سبيل المثال حديث:

[ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏وَكِيعٌ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏سُفْيَانَ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِيهِ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏ مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ وَتَحْرِيمُهَا ‏‏ التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ ] أبو سعيد الخدري عند الترمذي 238 وابن عباس عند الطبراني في المعجم الكبير 11/163 حديث 11369 و ابن ماجة حديث 271..

وهذه الشواهد كلُّها تدل على ضبط وإتقان عبد الله بن محمد بن عقيل لهذا الحديث فصار صحيحا لغيره.

مثال آخر: ما رواه الترمذي [ حَدَّثَنَا ‏ ‏أَبُو كُرَيْبٍ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي سَلَمَةَ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي هُرَيْرَةَ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ ‏قَالَ ‏ ‏أَبُو عِيسَى ‏ ‏وَقَدْ ‏ ‏رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ ‏ ‏مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَقَ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي سَلَمَةَ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ ‏ ‏عَنْ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏وَحَدِيثُ ‏ ‏أَبِي سَلَمَةَ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي هُرَيْرَةَ ‏ ‏وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ ‏ ‏عَنْ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏كِلَاهُمَا عِنْدِي صَحِيحٌ لِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ ‏ ‏أَبِي هُرَيْرَةَ ‏ ‏عَنْ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏هَذَا الْحَدِيثُ وَحَدِيثُ ‏ ‏أَبِي هُرَيْرَةَ ‏ ‏إِنَّمَا صَحَّ لِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ ‏ ‏وَأَمَّا ‏ ‏مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَعِيلَ ‏ ‏فَزَعَمَ أَنَّ حَدِيثَ ‏ ‏أَبِي سَلَمَةَ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ ‏ ‏أَصَحُّ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏أَبُو عِيسَى ‏ ‏وَفِي ‏ ‏الْبَاب ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ‏ ‏وَعَلِيٍّ ‏ ‏وَعَائِشَةَ ‏ ‏وَابْنِ عَبَّاسٍ ‏ ‏وَحُذَيْفَةَ ‏ ‏وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ ‏ ‏وَأَنَسٍ ‏ ‏وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ‏ ‏وَابْنِ عُمَرَ ‏ ‏وَأُمِّ حَبِيبَةَ ‏ ‏وَأَبِي أُمَامَةَ ‏ ‏وَأَبِي أَيُّوبَ ‏ ‏وَتَمَّامِ بْنِ عَبَّاسٍ ‏ ‏وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ ‏ ‏وَأُمِّ سَلَمَةَ ‏ ‏وَوَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ ‏ ‏وَأَبِي مُوسَى ‏] رواه الترمذي 22..

فمحمد بن عمرو مشهور بالصدق والصيانة وليس من أهل الإتقان فحديثه إذا لم يتابع حسن فلما روى حديثه هذا من أوجه أُخَرَ انجبر عدم إتقانه فصار صحيحا لغيره فقد رواه البخاري 895 و 7327 من طُرُق أخرى عن أبى هريرة .

المسألة الثانية:

الحديث الضعيف إذا انْجَبَرَ بكثرة الطرق سُمِّىَ الحسن لغيره وهو الذي عَرَّفَهُ الترمذىُّ بقوله الحسن هو الذي لا يكون في إسناده من يُتَّهَمُ ولا يكون حديثا شاذًّا ويروى من غير وجه نحوه مثاله: ما رواه أبو داود:
[ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى‏ ‏عَنْ ‏ ‏يَعْقُوبَ بْنِ سَلَمَةَ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِيهِ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي هُرَيْرَةَ ‏‏ قَالَ ‏ ‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا وُضُوءَ لَهُ وَلَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ ] رواه أبو داود 92.

ويعقوب بن سلمة وأبوه مجهولان إلا أن للحديث طرقًا أخرى عن أبى هريرة وشواهد من حديث سعيد بن زيد عند الترمذي :

[ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَلَّالُ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ‏ ‏أَنْبَأَنَا ‏ ‏يَزِيدُ بْنُ عِيَاضٍ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏أَبُو ثِفَالٍ ‏عَنْ ‏ ‏رَبَاحِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ ‏ ‏أَنَّهُ سَمِعَ ‏ ‏جَدَّتَهُ ‏ ‏بِنْتَ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ ‏‏ تَذْكُرُ أَنَّهَا سَمِعَتْ ‏ ‏أَبَاهَا ‏ ‏سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ ‏‏ يَقُولُ ‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا وُضُوءَ لَهُ وَلَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ ] من حديث سعيد بن زيد عند الترمذي 25.
ومن حديث سهل بن سعد الساعدي عند ابن ماجة 432 وهذه الطرق والشواهد تتقى بالحديث إلى درجة الحسن لغيره .

المسألة الثالثة:

الحسن وإن كان دون الصحيح فهو كالصحيح في أنه يحتج به ولهذا لم تُفْرِدْهُ طائفة من أهل الحديث بل جعلوه مندرجا في نوع الصحيح وهو الظاهر من كلام الحاكم أبى عبد الله في تصرفاته وفى تسميته كتاب الترمذي الجامع الصحيح.

المسألة الرابعة:

قولهم هذا حديث حسن الإسناد أو صحيح الإسناد دون قولهم حديث حسن أو حديث صحيح لأنه قد يصح أو يحسن إسناده ولا يصح ولا يحسن لكونه شاذًّا أو مُعَلاًّ إلا أن الحافظ المعتمد عليه إذا اقتصر على قوله صحيح الإسناد أو حسنه ولم يقدح فيه فالظاهر من حاله حكمه بصحته وحسنه لأن الأصل والظاهر السلامة من القدح .

المسألة الخامسة:

قول الترمذي وغيره هذا حديث حسن صحيح فيه إشكال لاختلاف حَدَّيْهِمَا فكيف يجتمعان وجوابه أن الحديث إنْ تَعَدَّد إسنادُه فالوصف راجع إليه باعتبار الإسناديْن أو الأسانيد وعلى هذا فما قيل فيه ذلك فوق ما قيل فيه صحيح فقط إذا كان فردا لأن كثرة الطرق تُقَوِّى ( الحديث ) وإلا ( أي وإن لم يتعدد إسناده ) فبحسب اختلاف النقاد في راويه فيرى المجتهد منهم بعضهم يقول فيه صدوق وبعضهم يقول ثقة ولا يَترجَّح عنده قول واحد منهما أو يَترجَّح ولكنه يريد أن يشير إلى كلام الناس فيه فيقول ذلك وكأنه قال حسن عند قوم صحيح عند قوم وغاية ما فيه أنه حذف منه حرف التردد لأن حقه أن يقول حسن أو صحيح وعلى هذا ما قيل فيه ذلك دون ما قيل فيه صحيح لأن الجزم أقوى من التردد .

المسألة السادسة:

الحديث الضعيف إذا تعددت طرقه ارتقى إلى درجة الحسن لغيره وليس كل ضَعْفٍ يزول بمجيء الحديث من وجوه بل ما كان ضعفه لضعف حفظ راويه الصدوق الأمين زال بمجيئه من وجه آخر لدلالة ذلك على عدم اختلال ضبطه وأما إذا كان الضعف لكون الراوي مُتَّهَمًا بالكذب أو فاسقًا فلا ينجبر ذلك بمجيئه من وجه آخر.
مثاله ما رواه ابن ماجة:
[ ‏حَدَّثَنَا‏ ‏عَمْرُو بْنُ رَافِعٍ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏عُمَرُ بْنُ هَارُونَ ‏عَنْ ‏ ‏هَمَّامٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏فَرْقَدٍ السَّبَخِيِّ ‏عَنْ ‏يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ ‏عَنْ ‏أَبِي هُرَيْرَةَ ‏‏قَالَ ‏ ‏قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏أَكْذَبُ النَّاسِ الصَّبَّاغُونَ وَالصَّوَّاغُونَ ] رواه ابن ماجة 2143.
وفى إسناده عمر بن هارون وهو متروك وكذبه ابن معين وبذلك لا ينجبر إذا جاء من وجه آخر .

المسألة السابعة:

كتاب الترمذي أَصْلٌ في معرفة الحسن وهو الذي شَهَرَهُ وأكثر من ذِكْرِه في جامعه ويوجد في كلام بعض مشايخه وطبقتهم كالشافعي وأحمد بن حنبل والبخاري وغيرهم ونص الدارقطني في سننه على كثير من ذلك ومن مظان الحسن سنن أبى داود فقد قال ذكرتُ فيه الصحيح وما يشبهه ويقاربه .

المسألة الثامنة:

كتب المسانيد كمسند أبى داود الطيالسي وعبيد الله بن موسى وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية وعبد بن حميد وأبى يعلى الموصلي والحسن بن سفيان وأبى بكر البزاروأشباهها لا تلتحق بالكتب الستة وهى الصحيحان وسنن أبى داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وما جرى مجراها في الاحتجاج بها والرُّكون إلى ما فيها لأن عادتهم في هذه المسانيد أن يخرجوا في مسند كل صحابي جميع ما رووه من حديثه صحيحا كان أو ضعيفا ولا يعتنون فيها بالصحيح بخلاف أصحاب الكتب المصنفة على الأبواب .