ربّ إني لكَ عـُدتُ من سرابٍ فيهِ تُهتُ

وعلى وجهي شظـايا نـدمٍ فيـه انتهيتُ

وكهوفٌ من خطايا تحتها نـارٌ وصمـتُ

وطيورٌ ذرفتْ سري وطارتْ حيثُ طرتُ

وتلاشتْ في زوايا خَلَدي ، أنى سريـتُ

فـإذا أبكي ، أراها أدمـعاً مما بـكيتُ

وإذا أشكو ، أراها كل مـا منه اشتكيتُ

وإذا أهربُ ، كانت كل دربٍ قد سلكتُ

وإذا أغفو ، أراها كل حـلمٍ قـد رأيتُ

وإذا أفـزعُ للأوهـامِ ، كانت ما وهمتُ

وإذا غنيتها النسيـانَ ، غـنتْ ما ذكرتُ

ومحتْ ذاتي ، وعادت لي بما كنتُ دفنتُ

ربّ جنبني صداها ، فهي أعدى من عرفتُ !

هي نفسي !! وهي شيطاني الذي منه هربتُ

سكَنتْ فيّ ، وفي صحرائها الكبرى سكنتُ

وعلى مصباحها المخنوقِ في السفحِ أقمـتُ

وكما ينطلقُ الإعصـارُ في اللـيلِ انطلقتُ

وتسللـتُ الفجاجَ السـودَ فـيه ومضـيتُ

راهبـاً ضـلتْ مسوحي في هداها وضللتُ

ويح عمري ! ما الذي كنتُ على الرملِ كتبتُ ؟!

قصـةً ، ما زالَ حولي كل ما فيها رويتُ

الأسى ، والإثمُ ، والعصيانُ .. هذا ما حملتُ

فإذا التوبةُ ألقتْ رحلها عندي .. رحلتُ..!

وإذا الأوزارُ حطتْ ، حطّ قلبي وانتشيتُ !

وإذا ركبُ الخطايـا لاحَ للعينِ ، هفوتُ !

وكما ينتفـضُ الطائرُ للفجـرِ انتفضتُ

وتـلفعّتُ بسري في الديـاجي وانسللتُ

مثلما ينسـلُ مني خـاطرٌ منه بـرئتُ !

هـذهِ قصـةُ بستانٍ بـهِ كنتُ مـررتُ

حـاطباً أجمـعُ نـاراً وأسىً فيما جمعتُ

ليسَ لي فأسٌ ولا غرسٌ ، ولكني احتطبتُ

من ربيعٍ ليسَ لي فيهِ سوى أني وُجـِدتُ

ورحـيقٍ ، كل ما أعـلمُ ..أني قد شربتُ

وعبـيرٍ ، كل ما أدريهِ أني قد شممـتُ

وثمـارٍ ، كل وعيي أنني منها قطفـتُ

وغصـونٍ ظلـها يجهلُ عني ما جهلتُ

بَعثرتْ سري وعادتْ وهي للإيمانِ بيتُ

جلّ ربي ! كل هذا ، ما الذي كنتُ ارتكبتُ

اذنـوبٌ ؟ أم دروبٌ في مهاويها جُرفتُ ؟

أنا كـذّابٌ ، ولكن كل ما قلتُ صـدقتُ !

نقلَـتْ نفسيَ عن نفسي الذي كنتُ ادعيتُ

فهو زورٌ ، وهو حقٌ ، وهو سرٌ فيه حرتُ

أنـا نفسي ذلكَ الإثـمُ الذي منـه هـربتُ

أنـا نفسي ذلك الزورُ الذي منـه جـزعتُ

كل ما أشـكوه ، منها ذنبهُ ، مهما برئـتُ !

عـذّبتني بخطـاها وهـواها فـاستجـرتُ

وإلى قُـدسٍ عليٍّ من ضفـافِ النور طرتُ

وإلى اللهِ بنـوحي وعـذابـاتي اتجهـتُ

وشـببتُ الجسمَ ناراً ، وهشيماً واشتعلـتُ

ربّ.! من بُقيا رمادي وحصادي لك جئتُ

ربّ غفرانكَ ! إني في ظلامي قد وئـدتُ