كلنا في خدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات


مـواقـع شـقــيـقـة
شبكة الفرقان الإسلامية شبكة سبيل الإسلام شبكة كلمة سواء الدعوية منتديات حراس العقيدة
البشارة الإسلامية منتديات طريق الإيمان منتدى التوحيد مكتبة المهتدون
موقع الشيخ احمد ديدات تليفزيون الحقيقة شبكة برسوميات شبكة المسيح كلمة الله
غرفة الحوار الإسلامي المسيحي مكافح الشبهات شبكة الحقيقة الإسلامية موقع بشارة المسيح
شبكة البهائية فى الميزان شبكة الأحمدية فى الميزان مركز براهين شبكة ضد الإلحاد

يرجى عدم تناول موضوعات سياسية حتى لا تتعرض العضوية للحظر

 

       

         

 

 

 

    

 

كلنا في خدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم

النتائج 1 إلى 10 من 14

الموضوع: كلنا في خدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم

العرض المتطور

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    2,125
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    07-12-2022
    على الساعة
    12:17 PM

    افتراضي كلنا في خدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم

    كلنا في خدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    مجموعة محاضرات ألقاها فضيلة الشيخ محمود غريب إمام وخطيب جامع المعشني بمدينة صلالة بسلطنة عمان.
    أنقلها لكم كما هي وبدون تصرف مني .. نفع الله بها.

    أخطأ بعض الدعاة
    للشيخ محمود غريب
    مركز السلطان قابوس للثقافة الإسلامية

    أخطأ بعض الدعاة . حاولوا شغل الناس عن الدنيا ، وحاولوا تهميشها لحساب الدين ، في تصوّرهم ، حتى قال بعضهم إن علوم الحياة علوم كفّار ، والله قد سخّر الكفار ليخدموننا بهذه العلوم . وهذا جهل فاضح يحتاج إلى شيء من الدراسة لنعرف براءة الإسلام من هذه الأوهام التي يقول أصحابها : إن كلّ علم غير علوم الدين لا نفع فيه ولا فائدة منه . وليس هو ممّا أمرنا الله به ، لأنّ كلّ علم نافع فهو من الكتاب والسنة ، وما ليس في الكتاب والسنة فليس بعلم نافع . وهذا واضح الخطأ ، ظاهر الجهل بالإسلام .

    والإمام ابن تميمة عندما اعتبر العلوم العقلية علماً يقرّها الشرع ، فإنّ العلوم التجريبية اليوم مثل الطب والرياضيات والطبيعيات وغيرها كانت تعتبر علوماً عقلية ، وهي من العلوم الشرعية لأنّ الشارع أمر بها في مثل قوله سبحانه وتعالى وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ (الأنفال :60).

    يقول الدكتور محمد رشاد سالم " وإذا كان إعداد القوة أمراً واجباً، وكان العلم هو من أهم وسائل أعداد القوة، فالعلم التجريبي في عصرنا واجب، من باب مالا يتمّ الواجب إلا به فهو واجب.اﻫ.

    وقديماً قال أئمتنا أن هذه العلوم فرض كفاية. فإذا لم يكن في كلّ مدينة الطبيب المسلم، والمحاسب المسلم ، ومتخصص تطوير السلاح المسلم إذا لم يتوفر هذا في كل مدينة فالبلد كلها آثمة .
    وفي التوراة والإنجيل تجسيد للنعيم والعذاب

    وقد نقل الأستاذ / عباس محمود العقاد نصوصاً من الكتابين التوراة والإنجيل يؤكد بهما هذا الموضوع ليردّ على الذين يعيبون على القرآن تجسيد المشاهد في الجنة والنار .

    كما أخطأ من حاول أن يشغل المسلمين بالملأ الأعلى ومن فيه وما فيه. أعني أنّهم يشغلون الناس بالحديث عن العرش وعن الكرسي، وعن اللوح، وهل رأى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج ربّه أم لا ؟ وشغلنا كلّ هذه القضايا إجهاد للعقل فيما لم يُخلق له، إنّ العقل خُلق لعمار الدنيا. وحسبنا هو الإيمان بمجمل هذه الأمور.

    وقد أخطأ من شغل الناس بهذا ، كما أخطأ من شغل الناس بأمور هي من المحسّنات أعنى من الإسلام – لا نجادل في هذا ، وهي من السنّة ، لا خلاف في هذا ، ولكنّها كلباس الجيش في عصرنا ، ونظام سيره الجماعي ، وتحيّة الجندي للضابط ، شيء جميل ، ولكنه لا يُسبّبْ النصر .

    وإذا وضعنا كل شعبة من شعب الإيمان السبعين في مكانها مبتدئين بلا إله إلا الله – كما بدأ النبي صلى الله عليه وسلم ، منتهين بإماطة الأذى عن الطريق فسوف يعلم هؤلاء الدعاة أهمية ما يشغلون الناس به عمّا يشغلونهم عنه من أمور كبيرة .

    إنّ السلاح التافه يجرّ الهزيمة على الجنود الأبطال .

    والمحامي الهازل إن دافع عن الحق قد يُسبّب ضياعه ، ويسبب اتهام البرئ.

    وكما يقول أستاذي محمد الغزالي : الإسلام قضية عادلة ، بيد أنه وقع في أيدي محامين فاشلين .

    فالاعتدال هو ما قاله العلماء من قوم موسى لقارون:

    [ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ]. (القصص : 77 ).

    فالمسلم يرى جمال الدنيا منظار لجمال الله الذي أبدع ، وعظيم قدرته التي أنشأت ، والتي بها قد عرفنا الله ففاقد الجمال كيف يهب الجمال للأشياء ؟

    [إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ ](الصافات : 6 ).

    [ وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ ](الحجر : 16 ).

    [إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ](الكهف : 7 ).
    * الزينة في كلّ شيء خلقه الله في هذه الحياة ، ومعلوم أنّ الزينة تأتي بعد الضروريات.
    * الزينة في الطعام
    طلب القرآن منّا أن ننظر إلى الثمر قبل أكله ، لنشاهد البهجة التي أودعها سبحانه وتعالى في النبات "انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (الأنعام :99).
    هذه الآخرة فماذا نفعل للدنيا ؟

    لا يعني حديثنا عن الآخرة ودعوتنا المسلمين لحبّها أن نهمل الدنيا التي عرفنا الله بها ، وعرفنا الله فيها ، وطلب منّا عمارها :
    [ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ ](هود : 61 ).

    والله سبحانه وتعالى عندما تكلّم عن الدنيا وما فيها من زينة وجمال أراد أن يعرّفنا عظمته وقدرته وجماله . وكثيراً ما نعرف عظمة المهندس عندما يعرض علينا عبقريّة صنعة أبدعها . ولله المثل الأعلى .
    فالله زيّن الدنيا لنعرف شيئاً عن إبداعه وجماله وقدرته ، وأمرنا بعمارها لنؤدي ما خلقنا له ، ولنتمتّع بما عمّرناه ، ويده معنا دائماً [ لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ ](يس : 35 ).
    ولا يشغلنا هذا عن الخلود ، وجنات الخلود .
    * والدواب التي نركبها لكم فيها زينة وجمال .

    [ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ](النحل : 8 ).
    وعن عنصر الجمال في الدواب التي نركبها قال سبحانه وتعالى [ وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (النحل:5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ ](النحل:6) .

    (ولكم فيها جمال) وزينة . وليست جمع جمل كما يتصّور البعض ، قال أبو ذئيب:
    جمالك أيها القلب القريح
    ستلقى من تحبّ فتستريح
    يريد الزم تجملك وحياءك ولا تجزع جزعاً قبيحاً .

    * وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم الرزق مقسوم فأجمل في الطلب . وجاء في حديث الإسراء عن تشبيه الدنيا : " ثم عرضت له امرأة جُمّلاً ، قال صاحب لسان العرب أي امرأة حسناء . وفي الحديث " إن الله جميل يحبّ الجمال " (راجع لسان العرب في حديثه عن "الجمل" ج11 ص123 وفيه "حتى يلج الجمل في سم الخياط" .
    الجمل هنا الحبال الغليظة التي يشد بها السفن في البحر والجمل يجمع على جماله .
    ومنه قوله سبحانه وتعالى في سورة المرسلات"انها ترمي بشرر كالقصر . كأنه جمالت صفر" 32 المرسلات وقول الشاعر العربي مال الجمالت مشيها وئيداً أجندلا يحملن أم حديداً ؟)
    وبعد : إنّ الله زيّن الدنيا لنعرف بها قدرته وإبداعه وجماله . وألزمنا عمارها . ويده الكريمة دائماً معنا .

    [ فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا ](النمل : 60 ).

    وزيّن الآخرة ، وحبّبها للصالحين من المؤمنين .
    والفطناء هم الذين جمعوا بينهما . ولا تعارض أبداً .
    والله سبحانه وتعالى جعل من نعمه على النبي صلى الله عليه وسلم أنّه أغناه في الدنيا [ وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى ](الضحى : 8 ) .

    والعشرة المبشرون بالجنة من أغنى الصحابة – كما يقول الشيخ محمد الغزالي . فاغتنم دنيا الطائعين ، وجنات الخلود . وما ورد من نصوص تهوّن من شأن الدنيا فذلك للتخفيف من حبّها ، ليبقى في القلب مكان للآخرة .
    فاعدل بين الزوجات إن جمعت بينهنّ . واجمع بين الحياتين إن أردت النجاة " وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (القصص : 77 ) واجعل أملك في الدنيا لا يقف عند حدودها ، فأمامك آخرة وجنّات ونعيم .

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    2,125
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    07-12-2022
    على الساعة
    12:17 PM

    افتراضي

    الإنسان بين أمله وأجله
    للشيخ محمود غريب
    مركز السلطان قابوس
    للثقافة الاسلامية

    كلنا يريد أن يحقّق أمله في عجل . لأنّ الأمل أكبر من الأجل . من أجل ذلك جاءت تسمية الدنيا في القرآن "بالعاجلة" في آيات ثلاث منها " إِنَّ هَؤُلَاء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً " (الإنسان : 27 ) .

    * نعم .. الآمال أسرع من الآجال . لذلك وصف القرآن الإنسان بأنّه خُلق من عجل ، وأنّه خُلق عجولاً . حتى الأنبياء كان القرآن يحاول أن يخفّف من عجلتهم ، مع أنّها سرعة للحق والخير وتبليغ كلمة الله .

    * موسى سأله ربّه " وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَى (طه : 83 ) " ؟

    * يونس .
    تعجّل الهجرة عن قومه قبل أن يأذن الله له بها .

    فقال سبحنه وتعالى لنبيّنا صلى الله عليه وسلم "فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (القلم : 48 ) "

    مكظوم ممتلئ غيظاً على قومه ، يدعو عليهم وهو في بطن الحوت . وكان النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يدعو على ثقيف عند رحلته للطائف فنهاه سبحنه وتعالى .

    * ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم كان يتعجّل القراءة عند سماع جبريل وهو يوحي إليه. فأمره الله ألاّ يتعجّل القراءة ، ووعده أن يجمع الله القرآن في قلبه ، فلا يفلت منه شيء "وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ" آية 114 طه . إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (القيامة : 17 ) " وقرآنه - أي وقراءته " فالإنسان في عجل لأنّ آماله أكبر من أجله ، فالأمل يتضاعف ، وأيام العمر تتناقص ، وكلّ يوم يمّر لا يعود .

    وفي الأدب الرمزي أن الإنسان بين أمله وأجله كصائد في الصحراء يجري طول يومه وراء غزال .

    فلما أرهقه السعي أراد أن يستريح ، فرأى أسداً يطلبه ، فنظرة للغزال ، ونظرة للأسد ، ووقع نظره الحائر على عشّ نحل يتجمّع ، ففرح ، سوف يأكل من العسل .

    هذه حقيقة الإنسان بين أمله وأجله .

    أيها النحل الطيّب أسبح كما شئت فسوف يأتيني عسلك .

    هذه قصة الناس من عهد آدم . يطاردهم القدر ، ويسعدهم الأمل . وهذه حقيقة قرأها إبليس في نفس أبينا آدم فدخل إليه من هذا الباب "هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى (طه : 120 )"

    شجرة الخلد . كيف تشعر بالجنة إذا كنت ستموت ؟ إن كلّ نعيم الدنيا قليل لأنّه إمّا يتركني وإمّا أن أتركه

    ما نهاك الله عنها إلا ليحرمك من أمرين عظيمين "مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (الأعراف : 20 )

    هكذا وسوس إبليس لآدم .

    * إن آدم رأى الملائكة حول العرش ، وعلى قرب من الله ، وفي طاعة دائمة فاشتاق لهذا القرب من الله .

    فجاء إبليس من هذا الأمل .

    هذا أولاً . أراد المقام الملائكي ليحقق القرب من الله . ليحقّق القرب الدائم من الله.
    أمّا الأمر الثاني أن يكون هو وزوجه من الخالدين .

    وما دامت الحياة تساوي القرب من الله فما أعظم الخلود فيها .

    أمام هذين الأملين – القرب الملائكي ، والخلود في الطاعة ، نسى آدم موضوع الشجر .
    إن القرب الدائم من الله ملأ عليه كلّ شيء .
    لقد أكل آدم من الشجرة "فغوى" أي فسد جوفه .
    َعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (طه : 121 )
    أي فسد جوفه . من قولهم غوى الفصيل عن أمه الناقة . ولأن الأكل من الشجرة يُسبّب الفضلات في المعدة .
    خرج آدم من الجنة .
    زرع آدم بحثاً عن الخلود . فلم يجد الخلود .

    تزوّج وأنجب بحثاً عن الخلود فلم يجد الخلود
    .

    وجاء أبناؤه "َتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (الشعراء : 129 ) فلم يجدوا الخلود.
    ويحاول ابن آدم أن يجمع أموال الدنيا يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (الهُمَزَة:3) فلم يجد الخلود .

    سعي دائم . وجهاد شاق ، يحسب أن ماله أخلده ، حتى تنتهي الدنيا بحثاً عن الخلود ، فينادينا ربّنا ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (قـ : 34 ) .

    إن كل شيء في الجنة خالد . فلماذا وصف الله خدم الجنة وغلمانها بأنهم خالدون؟ وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً (الإنسان :19) .

    مُخلّدون أي مُخلّدون على صورة الوالدان . لا يصيبهم المشيب فيذهب بهجتهم ، هؤلاء الخدم فكيف بالمخدومين ؟ إنّ عقولنا لا تستطيع أن تتصوّر جمال الزوجات ، فاكتفى بوصف الخدم .

    * وفي اللغة العربية "مخلّدون" أي يلبسون القُرط في آذانهم للزينة .

    وفي سورة الطور آية 24 جاء في وصف الولدان "الغلمان" كلمة "لهم" وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ (الطور : 24 )

    أضاف هنا كلمة (لهم) أي يملكونهم ، ويتفرّغون لهم ، فلا ينشغل غلامك عنك بخدمة غيرك .

    * وهم كاللؤلؤ المكنون – أي المحفوظ في الصدف لم تنله الأيدي .

    يقال : كننت الشيء كناً – أي جعلته في "كنّ" وستر . فهو مكنون – أي مستور ، وذلك لفرط جمالهم .
    هؤلاء هم الخدم .
    وفي سورة الإنسان يضيف في وصف الوالدان – خدمك في الجنة "وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً (الإنسان : 20 )" "ثمّ" يعني هناك . والثاء عليها فتحة .
    أي هناك في الجنة .

    " رأيت نعيماً عبّر بالمصدر للمبالغة في التنعيم . كما في وصف خمر الجنة من تعبير بالمصدر في اللذّة " يُطَافُ عَلَيْهِم بِكَأْسٍ مِن مَّعِينٍ (الصافات : 45 ) بَيْضَاء لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ (الصافات : 46 ) .

    هذه بعض آيات الولدان المخلّدين من خدم الجنّة .

    متى يصف القرآن أهل الجنّة بالخلود ؟

    ويصف القرآن أهل الجنة بالخلود في المشاهد التي تحرص النفس عليها عادة كالارتباط بالأزواج المطهرة .

    * أزواج مطهرة جسداً ، وخُلقاً وسريرة . "وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (البقرة : 25 ) فمن وجد هذا الطراز من الزوجات اشتاق الى الخلود .

    * وعندما تحيط بهم رحمة الله كما يحيط نور الصبح بالماشي في النهار "وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (آل عمران : 107 )" .

    *وعندما ينزل القرآن لأهل الصحراء فيبشّرهم ( بجنات تجري من تحتها الأنهار) فهذه صورة تشتاق النفوس إليها أيما اشتياق لذلك تكررت (جنات تجري من تحتها الأنهار) فلا تكاد تذكر الجنة والخلود فيها إلا ويذكر معها (( َتجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ )) جاء هذا في أربع عشرة آية لشوق الذين نزل فيهم القرآن إلى مشاهدة الأنهار . لأنهم أهل صحراء . وكما قلت الصور التي تشتاق إليها النفس يؤكدها القرآن بالدوام والخلود . وقديماً قالوا :

    ثلاثة يذهبن الحزن : الماء والخضرة والوجه الحسن ، والثلاثة هناك . وهم يستبشرون بك وينتظرونك . وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (آل عمران : 170 ) .

    *************

    كلهم عادوا إلى منهج القرآن في تجسيد المعاني .

    حاول القرآن أن يعمّق مفهوم الجزاء على الخير والشّر بصور محسوسة مجسّدة ، ليُشبعّ المخيّلة في النفس الإنسانية .

    ثانياً : ولأن المحسوسات والمعاني المصورة أقوى في النفس من المعاني المجرّدة القريبة من المصطلحات الفلسفية .

    ثالثاً : لأنّ الأصل في اللغة هو الأمور المحسوسة ، ثم أخذوا منها المعاني المجردة .

    * كلمة مكر . معلوم معناها في اللغة والاستعمال .

    ولكنّ أصلها ٍاللغوي الذي أُخذ منه هذا المعنى يغيب عن كثير من غير الدارسين . إنّه الشجرة يدخل عروفها في شجرة أخرى من نوعها ، فنشاهد ورق الشجرتين لا نعرف من أيهما سقط . ومن هذا المشهد أخذوا كلمة مكر .

    * وكلمة الكفر . معروفة المعنى في الاستعمال ، ولكنّها في الأصل من ستر الشيء ، يقال للزارع كافرا ، وللزرّاع كفّار ، لأنّهم يسترون البذور في الأرض .

    ومنه قوله سبحنه وتعالى " كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ 20 الحديد) ، ويطلق على الليل المظلم كافر ، لأنّه يستر الشيء . ومنه سمّي الكافر لأنه يستر نعم الله والآيات الدالة عليه
    سبحانه وتعالى [لسان العرب ج5 صـ145] .

    * ومن هذا الباب كلمة "الدرس"
    وهو مأخوذ من درس القمح إذا داسها ليفصل الحبّ عن قشره . وهي عملية تحتاج إلى مراجعة متكررة . هكذا درس العلم حتى يثبت في الذهن عند كثير من طلاب العلم .

    فالأصل الجانب المادي ويؤخذ منه المعنى – كما قلت .

    واستعمل القرآن كلمة "المبذرين" وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (الإسراء : 26 )

    إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً (الإسراء : 27 )
    والمبذّر هو الفلاح يلقي البذور في الحقل . فإن كان ماهراً توزّع الحبّ على كلّ الأرض. وغير الماهر يتجمع الحبّ في مكان ويبقى بقية الحقل فلا ينبت . فالمبذر يضع الشيء في غير محلّه ، ويحرم بقية أصحاب الحقوق .

    النُسك والمناسك

    وأصل النسك سبائك الفضة التي خلصت من الخبث .

    ويقال لكل سبيكة "نسيكة" وقيل للمتعبّد "ناسك" لأنه خلّص نفسه لله من دنس الآثام . كالسبيكة الخالصة من الخبث . ثم قيل للذبح نسك ، لأنّه من أشرف العبادات [47 صفوة البيان لمعاني القرآن للشيخ مخلوف ]

    قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (الأنعام : 162 ) – وقد يطلق على عبادة الحج كلها مناسك .

    قال سبحانه وتعالى " َفإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ 200 البقرة "
    ومن باب نقل المعاني عن الماديات في هذا المقطع من الآيات قوله سبحانه وتعالى "فإذا أفضتم من عرفات " 198 البقرة وأصل الإفاضة دفع الماء بشرّه .
    يُقال أفضت الماء إذا دفعته وصببته بكثرة .

    وهذا كثير في اللغة ، ولا يكاد يحصى . إذ هو الأصل .
    وأجهزة الإعلام العالميّة لجأت إلى تجسيد المعاني عن طريق القصة المصوّرة ما أمكنها إلى هذا سبيلاً ، ومن النواحي الفنية التي تجمع عليها الشاشة الصغير في كلّ البلاد أنّ المذيع أو مقدّم البرنامج يتوقف فلا يستمر في الكلام إذا كان ما يعرضه من صور وأفلام يكفي لإعطاء فكرة واضحة للمشهد ، وذلك حتى يعطي مقدّم البرنامج الفرصة للمشهد حتى لا يفسّر التركيز على المشهد المعروض .
    فالإعلام العالمي يحاول شغل الناس بالصورة عن الكلمة [التليفزيون الإسلامي صـ305 ].

    من هنا كان التصوير القرآني لنعيم الجنة وعذاب النار .
    فجمال الدنيا – في القرآن – دليل على جمال الخالق .

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    2,125
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    07-12-2022
    على الساعة
    12:17 PM

    افتراضي

    النبي صلى الله عليه وسلم والأمل


    إذا كان الأمل في الله فهو ضرورة لأصحاب الرسالات ويتحقق نجاح أصحاب الرسـالات بمقدار أملهم والنبي صلى الله عليه وسلم كان أمله بمقدار ثقته في الله . فقد أخبر أنّه سيأتي اليوم الذي تسير فيه الظعينة بين الحيرة ويثرب لاتخاف إلاّ الله والذئب على غنمها [ الترمذي تفسير وأحمد ] وجاء هذا اليوم وتحقق الأمل.

    ووعد سراقة بن مالك بسوار كسرى في الوقت الوقت الذي كان مهاجراً للمدينة حيث لا يجد الأمان في بلده ، وتحقق وعده في عهد عمر .

    وفي حفر الخندق ضرب حجراً فظهرت شرارة فقال إنّها أضاءت قصور كسرى ، وأخرى قال إنّها أضاءت قصور قيصر – يعني سيدخلها نور الإسلام . والعجيب أنّه يومها كان يحفر الخندق ليحمي المدينة من خطر غزوها .
    التفاوت في الأمل
    :

    يختلف الناس في آملهم طولاً وقصراً كما يختلفون في مقاصد هذه الآمال .

    قرأت في كتاب مختصر مناهج القاصدين تباين الناس في آمالهم ، فروى عن أبي عثمان النهدي أنّه قال : بلغت ثلاثين ومائة سنة ، وما من شيء إلا قد عرفت فيه النقصان إلا أملى ، فإنّه كما هو [ص386] .

    ومن الناس من يقصر أمله في الدنيا لأنّه يشعر بدنوّ أجله " وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ (الأعراف : 185 )" .

    ويروي أن معروف الكرخي قال له أحد الناس سألقاك في صلاة العصر ، فقال له : أنت تحدث نفسك أن تعيش لهذا الوقت . نعوذ بالله من طول الأمل ، فطول الأمل يمنع صالح العمل .

    هكذا يعيش الإنسان بين أجله الذي يتناقص ، وأمله الذي يجدّه كل نجاح.

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    2,125
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    07-12-2022
    على الساعة
    12:17 PM

    افتراضي

    سلامة القرآن قراءة وكتابة

    للشيخ / محمود غريب – مركز السلطان قابوس للثقافة الإسلامية

    هل أخلاقنا وإيماننا بجميع الأنبياء يمكن أن يفهموه ضعفاً يجعلهم يهاجمون القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً (الكهف : 5).

    إنّنا نقدر على الهجوم أكثر من قدرتنا على الدفاع ، ولكن من نهاجم ؟ إننا " لا نفرق بين أحد من رسله "آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (البقرة : 285 ) ..

    ولكن عند الضرورة أذكر كلمة حسّان بن ثابت لرسول الله صلى الله عليه وسلم والله لأستلك منهم كما نستل الشعرة من العجين .

    قالوا : بالقرآن لحن . وذكروا بعض الكلمات التي خالفت قواعد اللغة لأسباب بلاغيّة لم يرقوا إلى فهمها .

    ولو عقلوا لعلموا أنّ القرآن كتاب أمّة بضاعتها الكلم ، وأسواقها البيان ، أمّة تحدّثت اللغة بالفطرة ، فهم يمجون السماع عندما يسمعون لحناً من غير أن يدرسوا لذلك قاعدة ، حتى قال أحدهم : نحن نقول وأنتم تنظمون القواعد .

    والقرآن سمعه أعداؤه الذين بهرهم بيانه فكانوا يتلصّصون لسماعه ليلاً . وسمعه ملايين المؤمنين به منذ نزل حتى يومنا هذا ومنهم العلماء باللغة الواضعون لقواعدها .

    كانوا يقرءونه ويسمعونه عبادة الله . ووضعوا قواعد اللغة لصيانة فهمه من اللحن وكانوا يقضون حياتهم في خدمته . ويتعّبدون بتلاوته .
    * سأل أبو عمرو بن العلاء الحجاج بن يوسف عن عدد كلمة "كلا" في القرآن .
    سأله والحجاج يضع رجله في ركاب فرسه ويستعدّ ليضع الرجل الأخرى .
    فقال له : لقد استعرضت النصف الأول فلم أجد به "كلا" فاقرأ النصف الثاني من القرآن .

    استعرض نصف القرآن وهو يحاول ركوب بغلته !! ... أقول : والآن وبعد المعجم المفهرس والانترنت علمت صدق الحجاج .

    فأوّل مرّة ذكرت فيها كلمة "كلا" في سورة مريم في آيتين منها "كلا" كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدّاً (مريم : 79)" والآية الثانية . في قوله سبحانه وتعالى "كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً (مريم:82)" ثم جاءت "كلا" بعد ذلك في 31 آية من النصف الثاني من القرآن .

    * قرآن حفظ الأمّة . وأمّة حفظت القرآن . إن إمام المسجد في قرى مصر إذا لحن في كلمة في صلاته يسمع كلّ من خلفه يصحّح له . فعدد الذين يحفظون القرآن في قرية من قرى مصر أكثر من حافّظ التوراة والإنجيل في كلّ العالم .

    وفي البلاد الإسلامية غير العربية يعجب السامع من أطفال يختمون القرآن مع أن العربية ليست لغتهم الأصلية .

    الذين عدّوا كلمات القرآن
    :
    هل ينشغلون بعدّ كلمات القرآن حتى يقولون إنّ كلمة "وليتلطّف " .. في سورة الكهف . تقسم القرآن إلى نصفين ، هل يمكن أن ينشغلوا بهذا عن إصلاح لحن بالقرآن ؟ إن عناية الأمّة بالقرآن ونقله فاقت كلّ تحقيق للنصوص .

    لجنة كتابة المصحف تختلف مع عمر :

    وعندما قامت اللجنة في عهد أبي بكر رضي الله تعالى عنه بكتابة القرآن اختلفت مع عمر رضي الله تعالى عنه في حرف من آية فقرّر عمر ألاّ يكتب هذا (الحرف) حتى يجتمع قراء القرآن في أيام الحج ويسألونهم عنه . أرأيت مثل هذا التحقيق ؟!
    (حرف) وليس أية أو كلمة .

    والمختلف معه (عمر) وزير الدولة لشؤون جمع القرآن . ومع ذلك ينتظرون القراء من كل الدنيا . والآية هي : "وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (التوبة : 100 )" .

    والحرف الذي اختلفت فيه اللجنة مع عمر هو (الواو) في قوله سبحانه وتعالى "وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ فكتبت الواو على ما قرره قراء الأنصار .

    فأصبح السابقون الأولون ثلاثة جماعات بعد كتابة الواو وهم

    * السابقون الأوّلون من المهاجرين .

    * والأنصار الذين جاءوا من بعدهم .

    *والذين اتبعوهم بإحسان إلى يوم القيامة . ولولا هذه "الواو" لكان الناجون جماعتين فقط .

    التفسير الموضعي والتفسير الموضوعي :

    من عناية الأمّة بالقرآن ما بذله العلماء من جهد كبير في علم التفسير الموضعي والذي يهتم بكلمات القرآن وحرفه.
    وقد قرأت صفحات طوالا في حرف "الكاف" في قوله سبحانه وتعالى "فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (الشورى :11).

    ومن دقائق ما قرأت أيضاً الضمير في الآية الأخيرة من سورة النساء (وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ ) فضمير "وهو يرثها" معناه ومثله يرثها من الأحياء لأنّ المّيت لا يرث فكلمت (وهو) بمعنى (ومثله) .

    ومن هذا المعنى للضمير ما جاء في قوله سبحانه وتعالى عن الجنّات التي خلفها قوم فرعون "فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (الشعراء : 57 ) .. الضمير في قوله سبحانه وتعالى وأورثناها" معناه وأورثنا مثلها لبني إسرائيل في الشام ... لأن بني إسرائيل لم ترجع إلى مصر حتى ترث جنات فرعون ...

    فالضمير يأتي بمعنى "مثل" في قوله سبحانه وتعالى " وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ " أي ومثله يرثها لأنّ الميّت يُورّث ولا يرث .

    وفي قوله سبحانه وتعالى: " كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (الشعراء : 59 )" هذه نقطة من بحر التفسير الموضوعي.

    لقد قرأت عن حرف "الكاف" في قوله سبحانه وتعالى: "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ " في سورة الشورى ، قرأت صفحات طوالا ، هذا نموذج من التفسير الموضعي .
    فهل يفوت العلماء على مدى ألف وأربعمائة عام أن يراجعوا القرآن لغوياً ؟.


    أما التفسير الموضوعي فهو يعني أن مجموع الآيات في الموضوع الواحد يكمّل بعضه بعضا ويفسّره . فلا يجوز نزع آية من القرآن عن موضوعها لنقول :

    إن القرآن يقول : كذا . لا بد من دراسة كل آيات الموضوع . فمجموع آيات القرآن في الموضوع الواحد يكمل بعضه بعضا ويفسره
    ومن التفسير الموضوعي للقرآن فقد ذكر الدكتور / محمد عبد الله دراز في كتابه القيم " النبأ العظيم" ذكر عشرة معان لقوله سبحانه وتعالى: " فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (آل عمران:37) .
    بغير حساب – أي رزقاً واسعاً .

    بغير حساب يعني من غير أن يحاسبه في الآخرة وبقيّة الناس " ثم لتسألن يومئذ عن النعيم " التكاثر .

    "بغير حساب" أي من غير أن يحاسبه أحد لماذا وسّعت على هذا ولم توسّع على هذا ؟.

    وبغير حساب لخزائنه خشية أن ينفد ما فيها . لأنّ كل شيء في الخزائن يدور ، وبقية الاحتمالات في تفسير الآية في كتاب (النبأ العظيم) .

    لجنة الكتابة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم

    القرآن حفظته دولة بكلّ إمكانياتها . كتب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وكتّاب الوحي بلغوا أربعين. لأنّ كلّ مسلم حاول أن يكتب ما يتيسّر لنفسه .

    كانت الآيات تكتب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم. يكتبها عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب، فإذا غابا كتب أُبيّ بن كعب ، وزيد بن ثابت فإذا لم يحضر أحدهما كتب غيرهما .
    وكان الصحابة يكتبون لأنفسهم نسخاً من القرآن . وكان بالصحابة من يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم أمر الدولة الأخرى غير الوحي مثل خالد بن سعيد بن العاص ، ومعاوية بن أبي سفيان .
    ومنهم من يكتب أموال الصدقات والقبائل مثل عبد الله بن الأرقم بن عبد يغوث ، والعلاء بن عقبة .
    ومنهم من كان يُقدّر أموال الزكاة في النخيل والثمار ويكتب ما يُتوصّل إليه . مثل "معيقيب بن أبي فاطمة " .

    ومنهم من تخصّص في الكتابة للملوك والإجابة على رسائلهم
    .

    ويترجم الرسائل للفرس والروم والقبط في مصر وفي بلاد الحبشة . ومن هؤلاء زيد بن ثابت .
    وكانت ثقيف من أعلم العرب بالقراءة والكتابة . لذلك قال عثمان : اجعلوا المملى من هزيل ، والكاتب من ثقيف . (1)
    [مقدمة الأستاذ/ محمد أسلم بن شديد العوفي – الأمين العام لمجمع الملك فهد لطباعة المصحف ] .

    المصحف الإمام مصحف عثمان
    قالوا : إن مصحف عثمان به لحن تناقلته الأمة وينسبون لعثمان رضي الله تعالى عنه : لمّا فرغت اللجنة من كتابة المصحف أتي به لعثمان فنظر فيه فقال : أحسنتم وأجملتم . أرى فيه شيئاً من اللحن ستقيمه العرب بألسنتهم . وهذا كلام لا وزن له علمياً ولم يثبت سنده . وقد خرّجه الأستاذ محمد بن عبده في كتاب المصاحب وخلاصة التحقيق انه كلام لم يصحّ سنده "المصاحف لأبيّ بن أبي داوود السجستاني ص120 وما بعدها " .

    وكان يكفي ردّ الكلام من ناحية السند حتى قال محمد رشيد رضا في تفسيره جـ6/65 : الصواب أنه موضوع . ونقل ابن الجوزي في تفسيره 2/221 قول ابن الأنباري : لا يصحّ لأنه غير متصل . (2/221) ونقل السيوطي في الإتقان قول ابن الأنباري : لا تقوم به حجّة لأنّه منقطع غير متصّل [الإتقان(2/271)] وقال ابن تميمة فيما نقله عنه صاحب شذور الذهب : إسناده ضعيف مضطرب منقطع هذا من ناحية السند ونناقش هذا الكلام مناقشة عقلية فأقول : لو علم عثمان لحناً في المصحف لماذا لم يردّه للجنة القرآن لتصلح ما وجدته ؟.

    وكيف أجاز لنفسه أن يبعث بهذا المصحف للعالم ؟.

    كلام ابن تميمة :
    قال شيخ الإسلام ابن تميمة رحمه الله ... وقد زعم قوم أن قراءة من قرأ (إن هذان) لحن ، وأن عثمان رضي الله تعالى عنه قال : إن في المصحف لحناً وستقيمه العرب بألسنتها .
    وهذا خبر باطل لا يصح من وجوه :

    أحدها :
    أن الصحابة رضوان الله تعالى عنهم كانوا يتسارعون إلى إنكار أدنى المنكرات ، فكيف يقرؤون اللحن في القرآن ، مع أنهم لا كلفة عليهم في إزالته ؟.
    الثاني :
    أن العرب كانت تستقبح اللحن غاية الاستقباح في الكلام ، فكيف لا يستقبحون بقاءه في المصحف ؟.

    الثالث :
    أنّ الاحتجاج بأنّ العرب ستقيمه بألسنتها غير مستقيم ، لأن المصحف الكريم يقف عليه العربي والعجمي .

    الرابع :
    أنه قد ثبت في الصحيح أن زيد بن ثابت أراد أن يكتب "التابوت" بالهاء على لغة الأنصار ، فمنعوه من ذلك ، ورفعوه إلى عثمان رضي الله تعالى عنه :وأمره أن يكتبوه بالتاء على لغة قريش ، ولما بلغ عمر – أن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قرأ (عتى حين) على لغة هذيل أنكر ذلك عليه ، وقال : أقرئ الناس بلغة قريش . فإن الله سبحانه وتعالى إنما أنزله بلغة قريش .

    إن القضية لا تمسّ عثمان وحده ولكنها تمسّ كلّ الصحابة الذين عاصروا عثمان سواء منهم من اشترك في الكتابة والذين لم يشتركوا.

    ويتساءل السيوطي : كيف يظنّ بالصحابة أنهم يلحنون في الكلام وهم عرب خُلّص ، ثم كيف يتصور أنهم يلحنون في القرآن ؟.

    وكيف تظنّ بعثمان أنّه لا يُصلح اللحن والمصحف ما زال بين يديه ؟!.

    أقول :
    كنت أظنّه يستطيع أن يكلف اللجنة التي ستحمل المصحف إلى كلّ دولة قبل أن تراجع المصحف الذي قامت بحمله وهي في الطريق إلى الإقطار .
    إن مصحف عثمان نسخ منه عدداً من المصاحف لكلّ بلد . فهل وقعت ألحان واحدة في كلّ مصحف أم كل مصحف وقعت فيه ألحان . يبدوا أنّها ليست لحناً ولكنها وجوهاً للقراءات (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) الحجرات قرئت "فتثبتوا" إذا علمنا أن المصحف كان من غير نقاط فالرسم في المصحف يحتمل القراءتين .

    والمصحف كان من غير شكل فيتحمل أكثر من قراءة "قال الله هذا يوم ينفع الصادقين "قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (المائدة: 119 )" .قُرئ
    "هذا يـوم" بالرفع. وهذا يوم بالنصب ظرفاً فاتسع المصحف الإمام لما صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم من قراءات .

    وان كانت القراءات تقديم كلمة على كلمة جاءت في مصحف بهذه القراءة وفي مصحف آخر بقراءة أخرى كقوله سبحانه وتعالى وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ (قـ : 19 ) .

    فقد قرئت " وجاءت سكرة الحق بالموت ذلك ما كنت منه تحيد" فكتب هكذا مرّة وهكذا أخرى. وأرسلت كلّ نسخة لبلد من بلاد المسلمين

    مراجعة وتصحيح :
    ولم يكن عثمان ليؤخر فساداً في هجاء ألفاظ من جهة كتابة ولا نطق ، ومعلوم أنه كان مواصلاً لدرس القرآن ، متقناً لألفاظه ، موافقاً على ما رُسم في المصاحف المرسلة إلى الأمصار والنواحي . ثم أيد ذلك بما أخرجه أبو عبيد قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن عبد الله بن مبارك ، حدثنا أبو وائل ، شيخ من أهل اليمن ، عن هانئ البربري مولى عثمان ، قال : كنت عند عثمان وهم يعرضون المصحف ، فأرسلني بكتف شاة إلى أُبيّ بن كعب فيها " لم يتسنّ " وفيها " لا تبديل للخلق " ، وفيها " فأمهل الكافرين " ، قال : فدعا بالدواة – فمحا أحد اللامين ، فكتب ((لخلق الله)) ومحى "فأمهل" وكتب ((فمهّل)) ، وكتب ((لم يتسنه)) ألحق فها الهاء ، قال ابن الأنباري : فكيف يدّعي عليه أنه رأى فساداً فأمضاه ؟ وهو يوقف على كتب ، ويرفع الخلاف إليه الواقع من الناسخين ، ليحكم بالحق ، ويلزمهم إثبات الصواب وتخليه ، انتهى .

    ٍقال "السيوطي" : ويؤيّد هذا أيضاً ما أخرجه ابن أشته في المصاحف ، قال حدثنا الحين بن عثمان ، أنبأنا الربيع بن بدر ، عن سوار بن شبيب ، قال : سألت بن الزبير عن المصاحف ، فقال : قام رجل إلى عمر ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إن الناس قد اختلفوا في القرآن فكان عمر قد همّ أن يجمع القرآن على قراءة واحدة ، فطُعن طعنته التي مات بها ، فلما كان في خلافة عثمان قام ذلك الرجل ، فذكر له ، فجمع عثمان المصاحف ، ثم بعثني إلى عائشة فجئت بالصحف ، فعرضناها عليها حتى قومناها ، ثم أمر بسائر المصاحف فأحرقت . فهذا يدلّ على أنهم ضبطوها وأتقنوها ، ولم يتركوا فيها ما يحتاج إلى إصلاح ولا تقويم .

    "تعليق الأستاذ محمد عبده على " المصاحف ص124 "

    لقد تمّ عرض القرآن على عثمان فوجد فيه شيئاً كتب على غير لسان قريش كما وقع للكتبة في كلمة "التابوت" فقريش تكتبها بالتاء. والأنصار يكتبونها بالهاء فأمر عثمان فكتبت بالتاء .

    إن هذان لساحران :

    أكثر القراء على إثبات الألف في "هذان" ولم نعرف من خالف هذه القراءة سوى أبى عمرو والحسن البصريّ . فإثبات الألف هو الغالب . ( التحرير والتنوير بتصرّف) وكتب في جميع المصاحف التي كتبها عثمان لكلّ البلاد بإثبات الألف في "هذان" والأصل في الموضوع الحفظ والتلقي من الرسول صلى الله عليه وسلم ولو وقع اللحن في نسخة ما صار تعميمها في أمّة تحفظ قبل أن تكتب .

    وكلمة "إنّ" تستعمل في اللغة العربية بمعنى " نعم" فهي حرف جواب ، جاء هذا في شعر عبد الله بن قيس الرقبات :
    ويقلن شيبُ قد علاك وقد كبرت فقلت : إنّه (انّه) يعني نعم . وأصلها "إنّ" يعني نعم . والهاء هاء السكت .
    وطلب رجل مساعدة من عبد الله بن الزبير فلم يعطه فقال الأعرابي : لعن الله ناقة حملتني إليك . فقال ابن الزبير : إنّ وراكبها . قاله : أبو إسحاق ابن حماد وقال عنه المبرّد : إنّه من أجود ما سمعه . وقبّله أبو إسحاق .

    " قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ " يعني قالوا بعد النجوى نعم هذان ساحران " وقد جاء ذكر النجوى بين بعضهم وبعض في الآية السابقة . "فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى (طه : 62 ) " "قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (طه : 63 )".

    واشتهر بين علماء التفسير واللغة أن الآية الكريمة على لغة مشهورة في الأدب العربي ولها شواهد كثيرة منها .

    فأطرق إطراق الشجاع ولو درى مساغا لناباه الشجاع لصمما

    واشتهر قول الشاعر
    إن أباها وأبا أباها قد بلغا من المجد غايتاها

    يقول صاحب التحرير والتنوير : إن المسلمين قرأوا القرآن نيفاً وعشرين سنة في كلّ أقطار الإسلام وما كتبت المصاحب إلا من أفواه الحفاظ في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلو كان في بعضها خطأ ما تبعه القراء (جـ16 صفحة 254) .

    المصاحف فيم اختلفت ؟
    المصحف الإمام الذي نقل منه عثمان هو مصحف عثمان . وقد جاء في حديث خالد بن إياس بن صخر بن أبي الجم أنه قرأ مصحف عثمان ومصاحف أهل المدينة "دراسة مقارنة" فوجد مصحف عثمان يخالف مصاحف أهل المدينة في اثني عشر حرفا .
    في سورة البقرة " وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ " بغير ألف يعني في بعض المصاحف وأوصى بها إبراهيم" .
    وفي آل عمرآن "وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ " بالواو في "وسارعوا" .
    وفي سورة المائدة " وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُواْ " بواو وفي المائدة أيضاً " من يرتدّ منكم " بدال واحدة .
    وفي سورة التوبة " وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً " بالواو في "والذين" .

    وفي سورة الشعراء " وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (الشعراء : 217 ) " بالواو في وتوكل
    وفي سورة غافر " إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ (غافر:26) " في مصاحف أهل المدينة " وأن يظهر بدون ألف قل الواو – يعني "وان يظهر"
    وفي سورة الشورى " وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ " بالفاء في "فبما" 30 الشورى .
    وفي سورة الزخرف " وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ " بغير الهاء في تشتهي .
    وفي سورة الحديد " فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (الحديد : 24 ) " وفي المصاحف الأخرى بغير هو .
    وفي سورة الشمس " وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا (الشمس : 15 )" بالواو في "ولا يخاف" . بعد المجهود الكبير الذي قام به خالد بن أياس هل يرى الدارس الكريم فارقا بين المصاحف إنّ اثبات حرف "الواو" ليكون ما بعدها عطف ، أو بدون الواو ليكون بدلاً أو عطف بيان، وقد مضى مثل ذلك في (الواو) التي في قوله سبحانه وتعالى "وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ " وعرفنا تأخير كتابة الآية حتى حضر الحفّاظ في موسم الحج من الأقاليم . والأصل في المصحف التلقي بالمشافهة ، وقد ظلّ القرآن في الصدور حوالي ربع قرن من السنين .
    " إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ " (الحجر : 9 )
    " إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ " (القيامة : 17 )
    هذا وعد الله " وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ " (التوبة : 111 )

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    2,125
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    07-12-2022
    على الساعة
    12:17 PM

    افتراضي

    قل لعبادي يقولوا التي هي أحسن
    للشيخ محمود غريب
    مركز السلطان قابوس للثقافة الإسلامية

    مقاصد القرآن الكريم الأخلاقية شغلت مساحة كبيرة من آياته، كما شغلت عقول الدارسين له وقلوبهم ، وفي هذه السطور نعيش مع بعض الآيات من باب " فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ "(البقرة : 265 )

    ولقاؤنا هذا يهتم بالجانب الأخلاقي ( بالكلمة ) ودورها في النفس ، والكلمة كالماء ، وكلما رأيت نباتاً تيقنت من وجود الماء، وكلما وجدت خيراً أخلاقياً فتيقن أن وراءه كلم طيب ، وفي القرآن الكريم تشبيه الكلمة الطيبة بالشجرة الطيبة التي يتغذى أصلها من الغذاء الذي في التراب ، وغذاؤها الأكثر من الفضاء ، مما يسميه علماء النبات بعملية التمثيل الضوئي قال تعالى " أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء "(إبراهيم : 24)

    والقرآن يُعبر عن الشيء الكبير ( بالكلمة ) فالسيد المسيح عَبر عنه القرآن بالكلمة [ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ]. (النساء : 171) يعني خُلق بكلمه الله التي هي [ كن فيكون ].
    الإسلام في مجموعه سماه القرآن كلمه" وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً (الأنعام : 115 ) فالعقائد صدق ، والشريعة عدل، وكلاهما كلمه.

    وكل شيء كبير عبر القرآن عنه بكلمه .

    شهادة التوحيد كلمه .. لو امتلأ قلب الإنسان إيماناً وتكبر أن ينطق بالشهادتين فلا وزن لإيمانه ، لقد آمن أبو طالب – عم الرسول صلى الله عليه وسلم ولم ينطق بالشهادتين مع أن شعرة وأعماله كانت تؤكد رسوخ الإيمان في قلبه ومات على الكفر، ونهى الله النبي أن يستغفر له ، وبكل المشتركين أقرأ الآيات (113) التوبة.

    والدعاء كلمه .. قد تُغير حياه أمة ، لقد دعا إبراهيم عليه السلام لمنطقة الحرم الشريف فأصبح الحرم من أغنى بلاد الله ، وآمن بلاد الله " فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (إبراهيم : 37 ) فأصبح الحرم تجبي إليه ثمرات كل شيء فالدعاء كلمه يرسلها المسلم مشحونة بطاقة إيمانية فإذا كان الله فعالاً لما يريد " الْمَجِيدُ .. فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ (البروج : 16 ).
    فسوف يتنازل الفعال لما يريد ، ليحقق لك ما تريد ، فالدعاء كلمة . والشهادة كلمه.

    عقد الزواج كلمه .. من هي قبل العقد ؟ إن مجرد النظر إليها قد نهانا الله عنه، وأمرنا بغض البصر ، ولكن من هي بعد العقد؟ إن معاشرتها في الفراش كالعبادة في المحراب ، كلاهما أمر من أوامر الله – سبحانه . اقرأ قوله تعالى [ نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ ]. (البقرة : 223 ).
    وكلاهما له أحكام شرعية تضبط هذه العبادة، وأحكام الصلاة معروفة في كتب الفقه، وأحكام الفراش كذلك . فالنكاح كلمه غنية عن التعريف ، وفي بلاد مصر لا يطلقون كلمة ( فرح ) إلا على أحفال الزواج .

    والطلاق كلمه .. كلمه الطلاق [ تحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم ] .

    والتسبيح كلمة .. تنجي صاحبها ، وقد نجى الله بها يونس – عليه السلام من بطن الحوت [ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ]. (الصافات : 144 ) ولك بكل تسبيحه صدقة [ رواه أبو داود باب التطوع].

    وشهادة الزور كلمة .. توصل البريء إلى القبر ظلماً والتوبة منها عمل مركب " إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ " (البقرة : 160 ) قضايا ثلاث لابد من توافرها في التوبة .

    تابوا فعزموا على عدم العودة لمثلها ، وحزنوا وندموا على ما كان منهم

    وأصلحوا ما فسدوه بشهادتهم ، فمهما كانت تكاليف الإصلاح ، فهي أقل من غضب الله .{ فالبر لا يبلى ، والذنب لا يُنسى ، والديان لا يموت }

    وبينوا ، بينوا حقيقة ما كتموا ، وبينوا كذب ما قالوا ، وبينوا أسباب الافتراء الذي وقعوا فيه . فالتوبة إصلاح لما أفسدوه بشهادة الزور ، وقد بالغ النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عنها حتى قال الصحابة :ليته سكت

    الكلمة الطيبة صدقة
    .. لأن دورها في تربية النفوس وتهذيبها دور كبير . مع أنها لا تكلفنا شيئاً .

    لا خيل عندك تهديها ولا مال فليسعد النطق إن لم يُسعد الحال

    والقرآن كثيراً ما يقدم البشارة على الإنذار .

    * بَشِيراً وَنَذِيراً (البقرة:119)
    * مُبَشِّراً وَنَذِيراً (الإسراء:105)
    * مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ (البقرة:213)

    وقدم الإنذار في آيتين فقط بينما قدم البشارة في ثلاثة عشرة آية .

    وعظ الملوك والكبار.. قالت السيدة عائشة رضي الله عنها " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تُنزل الناس منازلهم " رواة مسلم .
    وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل هذا مع الضيوف الكبار الذين يحضرون عنده ، كما فعل وائل بن كثير الذي جاء النبي من حضر موت .
    قال النبي صلى الله عليه وسلم عنه " جاءكم بقيه أبناء الملوك ، ورحب به ، وقربه منه وبسط له رداءة ،وقال اللهم بارك في وائل ، وولد ولد وائل .[ البداية والنهاية ح 4 صفحة 71]

    وفي شبابي حضرت خطبة ألقاها أحد الوعاظ الكبار – رحمه الله – في مدرسة، فأثنى على مديرة المدرسة ثناءً حسناً، ووصفها بغير ما يهمس الناس عنها فقلت له: يبدوا أنك تعرفها عن قرب، فقال لي : أنا أعرف كيف أُربي النفوس، ثم ضحك متبسماً ، وقال : لقد كنت أربي الحمام وأنا شاب مثلك وأعرف كيف أعيد الحمام إلى البرج ، يا ولدي : إذا أردت أن تعالج مريضاً بالبخل فحاول أن تصفه بين الناس بالكرم، فحرصه على حُسن السيرة يغلب حرصه على المال .
    تكرم لتعتاد الجميل ولن ترى أخا كرم إلا بأن يتكرما.
    وحيوان السير وحيوان الصيد يمكن أن يتقبل التعليم إذا صبر المربي علية.
    وقد شهد القرآن بذلك في سورة المائدة، عندما أحل لنا أكل صيد هذه الحيوانات والطيور المعلم .
    وتعليمها أن تُؤثر صاحبها على نفسها بصيدها. فإذا كان الحيوان يمكن أن يتعلم أذكى الأخلاق وهو الإيثار فلا تيأس أن تُعلم الناس الخير [ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ].(المائدة :4) فكل إنسان فيه خميرة من الخير ، إن وجد من ينميها.

    فرعون :
    [ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ]. (الزخرف : 54).[ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى]. (النازعات:24).
    ذبح أبناءهم ، واستحيا نساءهم ، ليس رحمه بالنساء ، ولكن حتى تكبر المرأة فلا تجد من أبناء إسرائيل من يتزوج منهن فيعم الفساد وهذا يحدث كلما تعسر الزواج .
    وكلما أراد أي فرعون أن يُسهل عليه أن يقود الناس. فساد فرعون عم الأرض وشمل كل شيء ، ومع ذلك لم يهمل رب العالمين أمر فرعون . أرسل إليه موسى بالكلم الطيب ، وأوصاه أن يخاطبه بالقول الطيب [ اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى] (طه :24).
    [ فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ](طه:44).

    أجل .. قولا له قولاً ليناً .
    لأن النفس تتقبل الكلم الطيب .

    وأستمع لموسى في لقاء من اللقاءات مع فرعون :
    إنني أقول للطفل : هل لك في قطعة من الحلوى .
    وهذا أحبّ إليه من أن آمره أن يأكل الحلوى .
    [ اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (النازعات:17) " فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى]. (النازعات:18).

    وأنت يا فرعون كبير هذا البلد ، وكبير هؤلاء الناس ، وكلمتك العليا عليهم ، فلما تخشاهم ، ولو أمرتهم بالإيمان لسارعوا لطاعتك .
    [ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى]. (النازعات:18).. [ وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى]. (النازعات:19).

    فلمّا انهزم فرعون أمام موسى في مجال الكلم حاول فرعون أن يقلبها ضحكاً لأنّ الناس يسعهم الهزل إن فاتهم الجدّ .
    أدار فرعون رأسه إلى وزيره هامان وطلب منه أن يبني له بناء يصل إلى السماء ، فيطلع إلى إله موسى .

    إن المصريين القدماء يعرفون أن البُعد بين الأرض والسماء لا يمكن لأيّ بناء أن يصل إليه ، وفرعون يعلم هذا أكثر منهم ، ولكنها طبيعة ٍشعب حتى الآن إذا ضاق بهم الحوار الجاد انتقلوا إلى " النكتة" ففرعون نقل الحديث إلى الضحك .

    فهم موسى هذا فسكت ساعتها ، ولم يقل شيئا .
    هذا بعض دور الكلمة في القرآن . وكلّ خير من خلفه كلمة طيّبة . الشهادتان مفتاح الجنّة ، والتسبح ، والزواج ، والطلاق ، وشهادة الزور ، ووعظ الأمراء ، وعلاج النفوس ، وتربيتها ، كلها كلمة .
    [وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ].(الأحزاب :4).

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    2,125
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    07-12-2022
    على الساعة
    12:17 PM

    افتراضي

    وقل : ربّ زدني علماً

    للشيخ محمود غريب
    مركز السلطان قابوس للثقافة الإسلامية

    يعيش المسلم بين نوعين من آيات الله
    يعيش بين آيات الكون ، وبين آيات القرآن . موقناً أن الكون خلقه ، والقرآن كلامه . ومؤمناً أنّ كلام الله وخلقه لا يختلفان .

    فالكون كتاب منثور . والقرآن كون منظوم ، ومن هنا تكرّر في القرآن الربط بين الكون والقرآن .

    فالله سبحانه وتعالى يُقسم بالكون على نزول القرآن من عند الله يقول سبحانه وتعالى في سورة الواقعة 75ـ 77[فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ (77)].

    بل يقسم هنا [ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ] ولم تكن الدنيا يوم نزول القرآن تعرف شيئاً عن علم "مواقع النجوم" لذلك نراه يقول [ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ ] . [عَظِيمٌ] .
    هذا هو المقسم به . وهو علم ِمَوَاقِعِ النُّجُومِ.
    أما المقسم عليه فهو أن القرآن كريم .

    كريم لأنه من عند إله كريم ، ونزل به ملك كريم .
    ونزل بشرع عادل كريم .

    والقرآن كريم لأنّه يجود على كل متخصّص في مجال تخصّصه .
    لأنّ القرآن في كلّ عصر يبدأ من حيث ينتهي التخصّص .

    فالله سبحانه وتعالى يقسم بالكون على نزول هذا القرآن .
    * وذكر القرآن نهاية علماء الكون الفكرية فأكّد أنّهم ينتهون إلى الإيمان بالله .

    فالله هو أول كلّ خير . وإليه تنتهي معارف العلماء .
    [ وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى]. (النجم:42) ، يظنّ بعض الناس أن هذه الآية تؤكد الآية الأخرى [ إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى]. (العلق :8).

    والذي أفهمه أن قوله سبحانه وتعالى [ وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى ].
    يعني منتهى كل فكر صحيح لا بد أن يوصّل العلماء به إلى الله .
    وإن أنكر بعضهم هذا فذلك القانون المنفعة . أو فراراً من تكاليف الإيمان
    .

    * والقرآن يربط بين العلم والإيمان ، ويقدّم العلم [ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ ](الروم:56).

    قدم العلم على الإيمان من باب تقديم السبب على المسبب . فإيمان بدون علم يعتبره علماء العقائد مجرد تقليد .

    * [ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ ].(محمد:19).
    * [ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ].(البقرة:196).
    * [ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ]. (البقرة:223).
    * [ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ ].(المائدة:92).
    * آيات كثيرة يتعلّق موضوعها بأصول العقيدة والشريعة ، يقدّم ربّ العالمين على موضوعها الأمر (بالعلم) . وهو أكثر من ثلاثين آية أختار منهم آية واحدة [ فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ ].(هود:14).

    اعلموا أنّما القرآن أُنزل بعلم الله .

    فإذا أرادت الدنيا أن تأتي بمثل هذا القرآن فعليها أن تبحث عن خزائن علميّة حجمها يساوي معارف علم الله – فالله بكل شيء عليم .

    وقد وضّح القرآن أن كلّ أشجار الدنيا وكلّ الغابات لو قطّعت ، وصنعت أقلاماً ، والبحر يمدّه من بعده سبعة أبحر صبراً ، لظلّت خزائن علم الله لم تنفذ .
    اقرأ [ وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ].(لقمان:27).

    * العلم أولاً ثم الإيمان ..
    ودراسة الكون ودراسة القرآن توصّل إلى الله ، وكلاهما عبادة .
    فالكون خلقه ، والقرآن كلامه . وكلام العاقل وفعله لا يختلفان – كما قلت .
    فكلّما كشف العلم عن حقيقة كونية ساعدت على فهم آية قرآنية فقل[ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ].(الملك:14).

    وإذا رأيت نظرية علمية تختلف مع آية قرآنية فانتفع بالنظرية ، والأيام ستصححها فنظرية النشوء والارتقاء هللوا لها ، وخدعوا بها حتى العالم الكبير الدكتور مصطفى محمود .
    ومع ذلك قلت عنها : إنّها محاولة للتفسير بدون دليل . وهم يعملون على نشرها لأنّ البديل عنها هو الإيمان بالله خالقا وهم يكرهون الإيمان بالله .

    هذا عن النظريات .

    * أمّا الحقائق العلمية.. فلا تختلف حقيقة علمية مع آية قرآنية فإن وجدنا خلافاً فسببه خطؤنا في فهم القرآن .
    واخترت لهذا الموضوع قوله تعالى في سورة يس
    [ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ].(يس:38).

    قالوا : ثبت علميا أن الأرض هي التي تجري .
    وحاول أستاذي الدكتور عبد العال أحمد عبد العال أن يُقرّب المسألة لنا ونحن طلاب فقال : الشمس تجري في نظر العين .
    ولكن العلم بعد ذلك كشف حقيقة جريان الشمس ، وأنّه لا تعارض بين جريان الشمس وهي تجري ويجري معها المجموعة الشمسية كم تجرّ القاطرة عربات القطار ، وسرعة جريان الشمس – كما حسبها العلماء هي 120 ميل في الثانية الواحدة بينما سرعة دوران الأرض حول نفسها هي ربع ميل في الثانية ، وسرعة دوران الأرض حول الشمس هي 18 ميل في الثانية . فالشمس منذ أن خلقها وهي تجري في اتجاه واحد [ وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ].(الذاريات : 47 ).
    وإذا كانت الشمس تجري بسرعة 18 ميل في الثانية فإن مجرة التبّانة سرعتها أربعين ألف ميل في الثانية [ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ].

    الناس يسعهم الهزل إن فاتهم الجدّ .
    بعض الذين يتحدّثون باسم الدين قد فاتهم ركب الحياة ، فيحاولون عزاء أنفسهم بكلمات أقرب إلى الهزل قرأت لبعضهم : إنّ علوم الكونيات من كيمياء وفلك وهندسة هي علوم الكفار فيجب عدم الانشغال بها عن علوم الدين !!.
    ويقول بعضهم والمسبحة تهتزّ وترتعش في يده يقول : إن الله سخّر الكفّار لخدمتنا بهذه العلوم !!.
    وهذا لون من السخرية المضحكة
    .

    دراسة علوم الكون فرض كفاية .
    في دراستنا بالأزهر عرفنا أن الفرض نوعان
    فرض عين: لا بد أن يفعله كلّ مسلم كالصلاة والصيام.
    وفرض كفاية: إذا فعله بعض المسلمين يسقط عن بقية الناس.
    وكان أساتذتنا يقولون لنا : فرض الكفاية مثل صلاة الجنازة ، وردّ السلام .
    ثم عرفنا بعد ذلك أن فرض الكفاية أوسع من هذا وأعظم.
    عرفنا أنّ دراسة علوم الحياة في أيّ تخصّص فرض كفاية .

    فلا بد أن يدرس جماعة من كلّ بلد علوم الحياة كالطب والرياضيات وما يتدخلّ من العلم لصناعة السلاح ، وعلوم الزراعة ، وعلوم الفلك وغيرها.
    دراسة هذه العلوم فريضة على المجتمع المسلم كدراسة علوم الدين تماما .
    والساعة التي يقضيها الدارس في القراءة لأيّ علم يكتب مع الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع .

    والملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم تحيّة ورضى بما يصنع، وأجمع علماء الإسلام أو يكادوا يجّمعوا على أن طالب العلم لو أصابه الفقر بسبب الانشغال بالعلم يجب أن يتحمّل المجتمع نفقته من أموال الزكاة ، أمّا من أصابه الفقر من أجل التفرغ للعبادة يعطى لفقره لا لعبادته . لأنّ عبادته له ، أما طالب العلم فدراسته للأمّة وللإسلام .
    فقول من قال : يجب ألاّ ينشغل الشباب المسلم عن علوم الدين بعلوم الدنيا ، أو من قال : إنّها علوم كفار ، فهذا كلام من جهل إحدى الأمرين إما العلم وإمّا الإسلام . أو جهلهما معاً .

    خـطأ رجـال الفـكر

    وقد أخطأ المفكرون الذين قالوا إن التفسير الديني للكون يمثل مرحلة من مراحل التفكير ، وقد استغنى العقل البشريّ عن التفسير الديني بالتفسير الفلسفي ثم بالتفسير العلمي (أوجست كونت)
    والحق أن التفسير الديني لنشأة الكون تفسير مقبول في كل عصر ، ولكلّ عصر .
    أيّ شيء يمنع هذا التفسير القرآني للكون ؟.

    وقد ناقشت هذه القضية مع طلاب جامعة القاهرة عام 1973م وقلت لهم :
    إن الاحتمالات العقلية لوجود الكون احتمالات أربعة .
    - الاحتمال الأول : يُحتمل أن الكون بدون نظام .
    وهذا احتمال باطل بالمشاهدة.
    - الاحتمال الثاني : أن النظام جاء مصادفة .
    وقلت : ما حدث مصادفة لا يتكرر بصورته منتظماً ، وانتظام
    هذا الكون يثبت عدم المصادفة .
    - الاحتمال الثالث : يحتمل أن تكون المادة عاقلة وأوّل مادة يمكن أن نتصور أنهّا
    عاقلة هي خلايا المخ .
    وقد أثبت في محاضراتي أن المخ غير العقل .
    ويكفي هنا أن نعلم أن إنسانا كان يحفظ مائة بيت من الشعر ، أجريت له عمليّة استئصال جزء من مركز الذاكرة بالمخ ، فقام من العملية وهو أقوى ذاكرة ٍولو كانت الذاكرة مادّة لنقص ما يحفظ بمقدار ما استؤصل .
    فالمخ شيء ، والعقل سيء آخر .
    - الاحتمال الرابع : وهو أن الله خالق كل سيء .
    والأمر يظلّ على إثباته لمن يدّعي ملكيته حتى تثبت الملكية بالدليل لمالك آخر " الإمام محمد متولي الشعراوي".

    وسورة الطور هي السورة الوحيدة في القرآن التي تحاول أن تثبت وجود الله ، لأن الفطرة السليمة لا تحتاج إلى من يثبت وجود الصانع عندما نشاهد الصنعة [ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (الطور : 35 ) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ]. (الطور:36).

    وفي سورة الواقعة آية واحدة تناقش هذا الموضوع مع العقل [ نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ ]. (الواقعة : 57 ).
    هذا هو التفسير الديني لنشأة الكون .
    وهو تفسير عقليّ . والحقائق العقلية ثابتة .
    أمّا بقية سور القرآن فتناقش قضية التوحيد .
    وليس قضية الوجود الأعلى لأنّها قضية فطرية .
    ونهاية كل فكر سليم أن يصل إلى الله
    [ وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى].(النجم:42). كما قلت.

    أن الحضارة الإسلامية جمعت مراحل التفسير الثلاثة .
    التفسير الديني ، والتفسير الفكري ، والتفسير العلمي .
    وقد اجتمع الأنواع الثلاثة في عالم مثل ابن رشد الحفيد . فقد ألّف في الفقه "بداية المجتهد"
    وألف في الفلسفة شرح كتب أرسطو.
    وألف في العلم كتابه في "الكلّيات" في الطب .

    .. هـذا ديـننا .إن التفسير الديني لا يتعارض أبداً مع التفسير العلمي .
    فالعلم يقول : تظلّ الأشياء على حالتها من السكون أو الحركة حتى يتدخّل مؤثر خارجي ينقلها من السكون إلى الحركة أو من الحركة إلى السكون .
    وبدون جدل . لو كان الكون قديماً لم نعرف بداية لخلقه فكيف انتقل من السكون إلى الحركة المنتظمة التي نشاهدها في كل شيء من الذرة إلى مجموع المجرات ؟.
    هذا ديننا .

    ميزان الاعتدال في الإعجاز العلمي في القرآن

    بعد أن تحدّثت عن خطأ (أوجست كنت) في قوله باستغناء الدنيا بالتفسير العلمي عن التفسير الديني لنشأة الكون ، أحبّ أن أعرض خطأً آخر وقع فيه بعض علماء الإسلام في مبالغتهم في الإعجاز العلمي للقرآن الكريم .
    لقد حاول بعضهم أن يجعل القرآن قد سبق كلّ علوم الدنيا في كلّ تخصّص .
    فكلما قال العلم شيئا سارع أحدهم وقال : إنّ القرآن قد قال هذا ، وهذا شعور طيّب ، ولكننا بهذا نجعل مستقبل القرآن في قلق .
    فماذا نقول إذا ثبت خطأ النظرية العلمية ؟.

    وماذا نقول : إذا قالوا لنا : لماذا لم تعلنوا عن هذه الحقائق قبل أن يكتشفها الغرب أو الشرق ؟
    لقد سبق أن وضعت ميزاناً للإعجاز العلمي في كتابي "سورة الواقعة ومنهجها في العقائد " 1973.

    ملخص هذا الميزان أنّ العلم الحديث ومنذ أن قال العلم بالنظرية النسبية نظرية البُعد الرابع – كما يسمونها – حاول العلم أن يخطئ كل ما قاله العلماء قبل نصف قرن من الزمن .

    فلماذا لم يخطّئ العلم تفسيراً واحداً للكون أو للإنسان قاله القرآن الكريم ؟.
    هذا في تصوّري – أهم ما نعتزّ به في موضوع الإعجاز العلمي في القرآن .

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    May 2006
    المشاركات
    5,424
    آخر نشاط
    12-07-2013
    على الساعة
    02:24 PM

    افتراضي

    جزى الله كاتب وقارئ وناشر هذا الحوار كل خير

    مشكور أخي زهدي جمال الدين على هذا النقل الطيب

    جعله الله في ميزان حسناتك
    اقتباس
    كلنا في خدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    أفديك بروحي يا حبيبي يا رسول الله صلى الله عليه وسلم

كلنا في خدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. حقيقة الأذى الذى لا قاه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
    بواسطة السعيد شويل في المنتدى من السيرة العطرة لخير البرية صلى الله عليه وسلم
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 17-03-2008, 09:15 PM
  2. آل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولياؤه كتاب الكتروني رائع
    بواسطة عادل محمد في المنتدى منتدى الكتب
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 19-01-2008, 11:26 PM
  3. مواضع ورود رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكتاب المقدس
    بواسطة مـــحـــمـــود المــــصــــري في المنتدى البشارات بالرسول صلى الله عليه وسلم
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 25-09-2005, 04:35 PM
  4. مواضع ورود رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكتاب المقدس
    بواسطة مـــحـــمـــود المــــصــــري في المنتدى شبهات حول السيرة والأحاديث والسنة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 25-09-2005, 04:35 PM
  5. قبل وفاة سيد البشر محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم ب 9 أيام
    بواسطة جنة الفردوس في المنتدى المنتدى الإسلامي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 01-01-1970, 03:00 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

كلنا في خدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم

كلنا في خدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم